• بى دى اف
  • نص

    • أنْوَاعُ السَّفَرِ

       

      لِلسَّفَرِ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ، فَبَعَضُ النَّاسِ يُسَافَر للتَّعَبَّد، وَبَعْضُهُمْ يُسَافِرُ للسِّيَاحَةِ، وَبَعْضُهُمْ يُسَافِرُ لِلْعَمَلِ ... وَذَكَرَ أَهْلُ العِلْمِ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ رَئِيسَةٍ لِلسَّفَرِ، هِيَ: سَفَرُ الطَّاعَةِ، وَسَفَرُ المَعْصِيَةِ، وَالسَّفَرُ المُبَاحُ.

      أَوَّلًا: سَفَرُ الطَّاعَةِ

      وَهُوَ السَّفَرُ طَاعَةً للهِ وَابْتَغَاءَ مَرْضَاتِهِ، وَيَجْزِي اللهُ عَلَيْهِ بِالثَّوَابِ، وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ:

      1. السَّفَرُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ: وَيُسَمَّى سَفَرَ الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ يُسَافِرُ وَيَتْرُكُ أَهْلَهُ وَبَلَدَهُ فِي سَبِيلِ تَلَقِّي الْعِلْمِ، وَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ:«مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ». وَقَالَ أَحَدُ الْعُلَمَاءِ: «لَوْ سَافَرَ رَجُلٌ مِنَ الشَّامِ إِلَى أَقْصَى الْيَمَنِ فِي كَلِمَةٍ تَدُلُّهُ عَلَى هُدًى، أَوْ تَرُدُّهُ عَنْ رَدًى، مَا كَانَ سَفَرُهُ ضَائِعًا».

      وَمِمَّا سَبَقَ يَتَبَيَّنُ لَنَا أَنَّ السَّلَفَ أَدْرَكُوا أَهَمِّيَّةَ طَلَبِ الْعِلْمِ، فَقَدْ رَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ مِنَ الْمَدِينَةِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ فِي حَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ. وَقَدْ سَلَكَ هَذَا النَّهْجَ عَدَدٌ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ الَّذِينَ اغْتَرَبُوا وَتَرَكُوا أَهْلَهُمْ وَدُورَهُمْ لِطَلَبِ الْعِلْمِ، وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْأَجْرِ الْكَثِيرُ وَالْكَثِيرُ، فَهُمْ يَتَعَلَّمُونَ وَيَعُودُونَ إِلَى بَلَدِهِمْ؛ فَيَنْشُرُونَ الْعِلْمَ، وَيُعَلِّمُونَ غَيْرَهُمْ.

      2. السَّفَرُ لِزِيَارَةِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ: وَهِيَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ، وَالْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ، وَالْمَسْجِدُ الْأَقْصَى؛ لِأَنَّهَا مَهْبَطُ الرِّسَالَاتِ السَّمَاوِيَّةِ، وَلِأَنَّ زِيَارَتَهَا تُقَوِّي الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِ الزَّائِرِينَ. قَالَ الرَّسُولُ: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الْحَرَامِ، والمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا» (رَوَاهُ البُخَارِيُّ).

      وَالطَّاعَةُ فِي زِيَارَةِ الْمَسَاجِدِ تَتَمَثَّلُ فِي الصَّلَاةِ؛ فَقَدْ قَالَ الرَّسُولُ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ مَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ».

      3. السَّفَرُ لِلْجِهَادِ: وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ الْمُسَافِرُ مَالَهُ وَأَهْلَهُ وَأَوْلَادَهُ وَيَخْرُجَ لِيُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَا يَعْرِفُ إِنْ كَانَ سَيَعُودُ إِلَيْهِمْ أَمْ سَيَمُوتُ، وَالْجِهَادُ مِنْ أَجَلِّ الْأَعْمَالِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللهُ، فَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ:(إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُواْ بِبَيۡعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ) [التَّوْبَة: آية 111].

      4. السَّفَرُ لِصِلَةِ الرَّحِمِ وَالسِّفْرُ لِزِيَارَةِ الْإِخْوَةِ فِي اللهِ: وَمِنْ سَفَرِ الطَّاعَةِ أَيْضًا السَّفَرُ لِصِلَةِ الْأَرْحَامِ؛ لِأَنَّ اللهَ يَصِلُ مَنْ وَصَلَهَا، وَيَقْطَعُ مَنْ قَطَعَهَا. وَلِصِلَةِ الرَّحِمِ أَثَرٌ كَبِيرٌ فِي بِنَاءِ الْمُجْتَمَعِ وَنَشْرِ الْمَحَبَّةِ بَيْنَ أَفْرَادِهِ، وَكَذَلِكَ السَّفَرُ لِزِيَارَةِ الْإِخْوَةِ فِي اللهِ، وَهَذَا أَسْمَى أَنْوَاعِ الْحُبِّ.

      ثَانِيًا: سَفَرُ المَعْصِيَةِ

      وَالسَّفَرُ لِلْمَعْصِيَةِ هُوَ أَسْوَأُ أَنْوَاعِ السَّفَرِ، حَيْثُ يَتَحَمَّلُ الْمُسَافِرُ مَتَاعِبَ السَّفَرِ لِيَعْصِيَ اللهَ، فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ تَعَبِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، مِثْلُ السَّفَرِ لِتِجَارَةِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالسَّفَرِ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالسَّرِقَةِ وَالنَّهْبِ وَإِرْهَابِ النَّاسِ ... فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ الَّذِي لَا يُرْضِي اللهِ ويُعَاقِبُ فَاعِلَهُ عَلَيْهِ.

      ثَالِثًا: السَّفَرُ المُبَاحُ

      هُوَ السَّفَرُ الَّذِي أَبَاحَهُ اللهُ لِعِبَادِهِ لِقَضَاءِ مَنَافِعَهُمْ فِي الحَيَاةِ، مِثْلُ السَّفَرِ لِلْعَمَلِ، أَوْ لِلسِّيَاحَةِ، أَوْ لِلتِّجَارَةِ الْمَشْرُوعَةِ.