-
بى دى اف
-
نص
-
العَوْلَمَةُ : تَعْنِي جَعْلَ الشَّيْءِ عَالَمِيًّا أَوْ جَعْلَ الشَّيْءِ دَوْلِيَّ الانْتِشَارِ فِي مَدَاهُ أَوْ تَطْبِيقِهِ. فَالْعَوْلَمَةُ عَمَلِيَّةٌ اقْتِصَادِيَّةٌ فِي المَقَامِ الأَوَّلِ تَهْدِفُ إِلَى وَضْعِ قَوَانِينَ وَقَوَاعِدَ وَإِزَاحَةِ الحَوَاجِزِ بَيْنَ الدُّوَلِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَجَعْلِ العَالَمِ كُلِّهِ قَرْيَةً صَغِيرَةً، وَلَمْ تَقْتَصِرِ العَوْلَمَةُ عَلَى التَّأْثِيرِ الاقْتِصَادِيِّ فَقَطْ، بَلْ تَعَدَّتْهُ لِتُؤَثِّرَ عَلَى المُسْتَوَى السِّيَاسِيِّ، ثُمَّ الاقْتِصَادِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ.
فَالْعَوْلَمَةُ الاقْتِصَادِيَّةُ: تَعْنِي ازْدِيَادَ الحُرِّيَّةِ الاقْتِصَادِيَّةِ، وَقُوَّةَ العَلَاقَاتِ بَيْنَ أَصْحَابِ المَصَالِحِ الصِّنَاعِيَّةِ فِي بِقَاعِ الأَرْضِ المُخْتَلِفَةِ.
وَالعَوْلَمَةُ الثَّقَافِيَّةُ: تَعْنِي انْتِقَالَ الأَفْكَارِ وَالعَادَاتِ مِنْ مُجْتَمَعٍ إِلَى آخَرَ.
الآرَاءُ حَوْلَ العَولَمَةِ:
يَنْقَسِمُ العَالَمُ بَيْنَ مُؤَيِّدٍ وَمُعَارِضٍ لِلْعَوْلَمَةِ، فَالمُؤَيِّدُ هُوَ مِنْ عُشَّاقِ الغَرْبِ وَحَضَارَاتِهِمْ وَثَقَافَاتِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ، وَيَتَمَنَّى لَوْ يَعِيشُ فِي بِلَادِهِمْ، فَهَذَا الصِّنْفُ مِنَ النَّاسِ يَرَى فِي العَوْلَمَةِ السَّبِيلَ الوَحِيدَ لِيَجْعَلَهُ يَعِيشُ مِثْلَ الغَرْبِ تَمَامًا وَهُوَ فِي بَلَدِهِ.
والمُعَارِضُ وَهُوَ الكَارِهُ لِلْعَوْلَمَةِ، يَكْرَهُهَا لِأَكْثَرِ مِنْ سَبَبٍ: فَهُوَ يَكْرَهُهَا لِسَبَبٍ اقْتِصَادِيٍّ؛ بَسَبَبِ اسْتِخْدَامِ الأَسَالِيبِ القَانُونِيَّةِ المُعَقَّدَةِ لِمُرَاوَغَةِ القَوَانِينِ وَالمَقَايِيسِ المَحَلِّيَّةِ لِاسْتِغْلَالِ لِلقُوَى العَامِلَةِ؛ مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى اسْتِنْزَافِ أَحَدِ الأَطْرَافِ فِي مُقَابِلِ الاسْتِفَادَةِ الرِبْحِيَّةِ دُونَ النَّظَرِ لِلعُنْصُرِ البَشَرِيِّ، بِالإِضَافَةِ إِلَى أَنَّ البِلَادَ الغَنِيَّةَ سَتُهَيْمِنُ عَلَى البِلَادِ الفَقِيرَةِ؛ نَتِيجَةً لِلِاسْتِثْمَارَاتِ الأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي سَتَتِمُّ عَلَى حِسَابِ الفُقَرَاءِ، وَفِي هَذَا اسْتِغْلَالٌ لَا يُنْكِرُهُ عَاقِلٌ.
وَهُنَاكَ مَنْ يَكْرَهُ العَوْلَمَةَ لِسَبَبٍ دِينِيٍّ، فَالعَوْلَمَةُ لَا دِينَ لَهَا، وَاتِّبَاعُهَا يَعْنِي أَنْ يَعْلُوَ شَأْنُ اللَّادِينِيَّةِ فِي العَالَمِ، فَالْعَوْلَمَةُ دَعْوَةٌ إِلَى الكُفْرِ فِي نَظَرِهِمْ، وَرَفْضُهَا وَمُحَارَبَتُهَا نَوْعٌ مِنَ الدِّفَاعِ عَنِ الدِّينِ وَالثَّقَافَةِ.
-