• Pdf
  • Html

    • السَّفَرُ لِلْخَارِجِ

      تَقَابَلَ بَاسِلٌ وَخَالِدٌ فِي الشَّرِكَةِ التِي يَعْمَلَانِ فِيهَا سَوِيًّا، وَأَخْبَرَ خَالِدٌ بَاسِلًا بِأَنَّهُ سَيُسَافِرُ لِلخَارِجِ، وَدَارَ الحَدِيثُ بَيْنَهُمَا حَوْلَ السَّفَرِ وَأَثَرِهِ عَلَى الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ وَفَوَائِدِ السَّفَرِ وَأَضْرَارِهِ.

      خَالِدٌ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.

      بَاسِلٌ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.

      خَالِدٌ: سَأُسَافِرُ لِلْعَمَلِ فِي الْخَارِجِ.

      بَاسِلٌ: لِمَاذَا؟

      خَالِدٌ: لِأَنَّ الْحَيَاةَ صَعْبَةٌ، وَفُرَصَ الْعَمَلِ قَلِيلَةٌ، وَالرَّوَاتِبَ قَلِيلَةٌ جِدًّا.

      بَاسِلٌ: لَا بُدَّ أَنْ نُسَاهِمَ فِي نَهْضَةِ بِلَادِنَا.

      خَالِدٌ: أَنَا أُحِبُّ بَلَدِي كَثِيرًا، وَسَفَرِي لَا يَعْنِي عَدَائِي لَهَا، وَلَكِنْ مَاذَا أَفْعَلُ فِي مَصَارِيفِ الْبَيْتِ وَمَدْرَسَةِ الْأَوْلَادِ وَالْمُوَاصَلَاتِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَصْرُوفَاتِ الَّتِي تَجْعَلُ الْحَيَاةَ غَايَةً فِي الصُّعُوبَةِ؟

      بَاسِلٌ: أَنْتَ مُحِقٌّ، وَأَنَا مُتَفَهِّمٌ مَوْقِفَكَ جِدًّا، وَلِلسَّفَرِ فَوَائِدُ لَا يُنْكِرُهَا عَاقِلٌ مِثْلُ وَفْرَةِ النُّقُودِ، وَصُحْبَةِ أُنَاسٍ مُخْتَلِفِينَ، وَتَعَلُّمِ آدَابٍ، وَسَعَةِ آفَاقٍ، وَالْكَثِيرِ مِنَ الْفَوَائِدِ. وَلَكِنَّ الْمُشْكِلَةَ فِي الْعَادَاتِ وَالتَّقَالِيدِ وَالثَّقَافَةِ وَاللُّغَةِ. فَهَذِهِ الْأُمُورُ تَخْتَلِفُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، بِالْإِضَافَةِ إِلَى ضَعْفِ الْعَلَاقَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ.

      خَالِدٌ: صَدَقْتَ، وَهَذَا مَا يُؤَرِّقُنِي وَيُشْغِلُ بَالِي مُنْذُ عَزَمْتُ عَلَى السَّفَرِ، فَنَحْنُ كَأُسْرَةٍ مُعْتَادُونَ عَلَى الِاجْتِمَاعِ أُسْبُوعِيًّا فِي يَوْمٍ نَجْتَمِعُ فِيهِ جَمِيعًا: أَبِي وَأُمِّي وَإِخْوَتِي وَأُسَرُهُمْ، وبَاقي العَائِلَةِ.

      بَاسِلٌ: هَذَا أَمْرٌ جَمِيلٌ جِدًّا، فَقُوَّةُ الْعَلَاقَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ مُؤَشِّرٌ لِسَلَامَةِ الْمُجْتَمَعِ مِنَ الِاكْتِئَابِ وَالْعُزْلَةِ، وَمَا شَابَهَ مِنَ الأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ الَّتِي تُصِيبُ الْمُجْتَمِعَاتِ الَّتِي تَضْعُفُ فِيهَا الْعَلَاقَاتُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ.

      خَالِدٌ: لَكِنْ مَا يَخُصُّ الْأَعْرَافَ مِنْ عَادَاتٍ وَتَقَالِيدَ وَثَقَافَةٍ وَلُغَةٍ، فَأَنَا عَازِمٌ عَلَى السَّفَرِ إِلَى بَلَدٍ عَرَبِيٍّ حِفَاظًا عَلَى الْأَوْلَادِ وَثَقَافَتِهِمْ.

      بَاسلٌ: أَحْسَنْتَ، فَالْأَوْلَادُ هُمْ مُسْتَقْبَلُ بَلَدِنَا، وَلَكِنْ هَلْ سَتُقِيمُ هُنَاكَ دَائِمًا؟

      خَالِدٌ: بِالطَّبْعِ لَا؛ أَنَا أُحِبُّ بَلَدِي وَأَحَبُّ عَائِلَتِي الْكَبِيرَةَ، وَأَسْعَدُ بِاجْتِمَاعِنَا وَحَدِيثِنَا وَمُشَاجَرَتِنَا وَضَحِكِنَا، لَا يُمْكِنُنِي الِاسْتِغْنَاءَ عَنْ هَذِهِ الْحَيَاةِ، وَلَكِنِّي سَأُسَافِرُ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ فَقَطْ، أَجْمَعُ قَدْرًا مِنَ الْمَالِ لِأَفْتَحَ مَشْرُوعًا خَاصًّا بِي فِي بَلَدِي لِأُهَيِّئَ لِأَوْلَادِي حَيَاةً مُرِيحَةً.

      بَاسِلٌ: تُرِيدُ أَنْ تَعْمَلَ فِي الْأَعْمَالِ الْحُرَّةِ. يَسَّرَ اللَّهُ لَكَ.

      وَمَا الْبَلَدُ الَّذِي تَوَدُّ السَّفَرَ إِلَيْهِ؟

      خَالِدٌ: أَوَدُّ السَّفَرَ لِدَوْلَةِ قَطَرَ الْعَرَبِيَّةِ.

      بَاسِلٌ: مَا شَاءَ اللهُ! دَوْلَةُ قَطَرَ مِنْ أَغْنَى الدُّوَلِ عَلَى مُسْتَوَى الْعَالَمِ، وَهَلْ هُنَاكَ طَلَبٌ لِلتَّوْظِيفِ فِي قَطْرَ؟

      خَالِدٌ: نَعَمْ، وَجَدْتُ إِعْلَانًا مُمَوَّلًا فِي أَحَدِ مَوَاقِعِ شَبَكَةِ الِاتِّصَالَاتِ الدَّوْلِيَّةِ، فَأَرْسَلَتُ السِّيرَةَ الذَّاتِيَّةَ وَصُوَرًا مِنَ الشَّهَادَاتِ وَالدَّوْرَاتِ الَّتِي حَصُلْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ تَحَدَّثُوا إِلَيَّ عَبْرَ شَبَكَةِ الِاتِّصَالَاتِ أَيْضًا، وَاتَّفَقْنَا عَلَى الْعَمَلِ وَالرَّاتِبِ وَالْإِقَامَةِ وَكُلِّ شَيْءٍ يَخُصُّ الْحَيَاةَ هُنَاكَ.

      بَاسِلٌ: رَائِعٌ! الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَهَلْ سَتَأْخُذُ زَوْجَتَكَ وَأَوْلَادَكَ مَعَكَ؟

      خَالِدٌ: فِي الْبِدَايَةِ سَأَذْهَبُ بِمُفْرَدِي لِأَطْمَئِنَّ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَأُرَتِّبَ لِحَيَاتِهِمِ الْجَدِيدَةِ، وَبَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ سَأُرْسِلُ فِي طَلَبِهِمْ.

      بَاسِلٌ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، كَمْ أَنْتَ شَخْصٌ مِثَالِيٌّ تَبْحَثُ عَنِ الرَّاحَةِ لِزَوْجَتِكَ وَلِأَوْلَادِكَ!

      خَالِدٌ: هَذِهِ فِطْرَةٌ يَا صَدِيقِي، وَعِنْدَمَا تَتَزَوَّجُ وَتُنْجِبُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ سَأُذَكِّرُكَ بِهَذَا الْكَلَامِ.

      بَاسِلٌ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَمَاذَا عَنْ إِجَازَتِكَ أَثْنَاءَ الْإِقَامَةِ؟

      خَالِدٌ: الِاتِّفَاقُ أَنْ أَعُودَ إِلَى بَلَدِي كُلَّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إِجَازَةً لِمُدَّةِ عِشْرِينَ يَوْمًا.

      بَاسِلٌ: جَيِّدٌ؛ لِتَسْتَطِيعَ الِاطْمِئْنَانَ عَلَى عَائِلَتِكَ، وَمَاذَا عَنْ عَمَلِكَ هُنَا؟

      خَالِدٌ: عَمَلِي فِي مِصْرَ لَيْسَ فِي الْقِطَاعِ الْحُكُومِيِّ، وَلَكِنِّي أَعْمَلُ فِي الْقِطَاعِ الْخَاصِّ، وَكَمَا تَعْرِفُ، الْقِطَاعُ الْخَاصُّ لَا يُوَفِّرُ لَكَ أَمَانَ الْعَوْدَةِ لِوَظِيفَتِكَ، وَلَكِنِّي قَدَّمْتُ طَلَبَ إِجَازَةٍ مَفْتُوحَةٍ بِدُونِ رَاتِبٍ تَحَسُّبًا لِأَيِّ ظُرُوفٍ طَارِئَةٍ.

      بَاسِلٌ: أَنَا أُفَكِّرُ فِي الِالْتِحَاقِ بِالْعَمَلِ فِي الْقِطَاعِ الْحُكُومِيِّ، فَمُمَيِّزَاتُهُ كَثِيرَةٌ:

      1- سَاعَاتُ الْعَمَلِ تَتَرَاوَحُ مِنْ سِتٍّ إِلَى سَبْعِ سَاعَاتٍ.

      2- الْإِجَازَاتُ كَثِيرَةٌ أَكْثَرُ مِنَ الْقِطَاعِ الْخَاصِّ.

      3- الْعِلَاوَاتُ وَالتَّرْقِيَاتُ ثَابِتَةٌ وَمُنْتَظِمَةٌ.

      4- وَأَهَمُّ شَيْءٍ وُجُودُ مَعَاشٍ بَعْدَ التَّقَاعُدِ.

      خَالِدٌ: الْعَمَلُ فِي الْمَجَالِ الْحُكُومِيِّ أَكْثَرُ أَمَانًا مِنَ الْقِطَاعِ الْخَاصِّ، وَلَكِنَّهُ لَا يَخْلُو مِنَ الْعُيُوبِ: فَالْقِطَاعُ الْحُكُومِيُّ لَا يُعْطِيكَ حُرِّيَّةَ السَّفَرِ فِي أَيِّ وَقْتٍ، قَدْ يَمْنَعُكَ الْعَمَلُ مِنَ السَّفَرِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْيَانِ.

      بَاسِلٌ: لِكُلِّ شَيْءٍ مَزَايَا وَعُيُوبٌ، هَذَا حَالُ الدُّنْيَا، الْمُهِمُّ أَنْ يُتْقِنَ الْإِنْسَانُ عَمَلَهُ؛ حَتَّى تَكُونَ نُقُودُهُ حَلَالًا.

      خَالِدٌ: نَعَمْ، نَسْأَلُ اللَّهَ الرِّزْقَ الْحَلَالَ، فَهَذَا أَهَمُّ شَيْءٍ فِي حَيَاتِنَا، فَالْحَلَالُ يَجْلِبُ الْخَيْرَ وَالْبَرَكَةَ فِي الْبُيُوتِ، وَالْحَرَامُ يُضَيِّعُ كُلَّ شَيْءٍ.

      بَاسِلٌ: رَفِقَتْكَ السَّلَامَةُ. نَسْأَلُكَ الدُّعَاءَ؛ فَدُعَاءُ الْمُسَافِرِ مُسْتَجَابٌ.

      خَالِدٌ: سَأَدْعُو لَكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَأَنْتَ صَدِيقِي الْعَزِيزُ. فِي أَمَانِ اللهِ.

      بَاسِلٌ: آمِينَ، فِي أَمَانِ اللهِ.