-
Pdf
-
Html
-
العَالَمُ قَرْيَةٌ صَغِيرَةٌ
مُحَمَّدٌ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
إِبْرَاهِيمُ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
مُحَمَّدٌ: شَاهَدْتُ أَمْسِ فِي التِّلْفَازِ خَبَرًا جَيِّدًا بِخُصُوصِ اقْتِرَاحَاتٍ حَوْلَ رَفْعِ مُسْتَوَى التَّعْلِيمِ فِي الْبِلَادِ النَّائِيَةِ.
إِبْرَاهِيمُ: وَسَائِلُ الْإِعْلَامِ جَعَلَتِ الْعَالَمَ قَرْيَةً صَغِيرَةً، فَنَحْنُ فِي مِصْرَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَعْرِفَ أَخْبَارَ كُلِّ دُوَلِ الْعَالَمِ.
مُحَمَّدٌ: هَذَا صَحِيحٌ. فَمَعْنَى وَسِيلَةِ إِعْلَامٍ: أَيْ مَنْظُومَةٌ تُسَاعِدُكَ عَلَى مَعْرِفَةِ الْبَيَانَاتِ وَالْأَخْبَارِ الْمُحِيطَةِ بِكَ، وَالْهَدَفُ مِنْهَا جَعْلُ الْعَالَمِ قَرْيَةً صَغِيرَةً، وَبِالتَّالِي يَسْهُلُ تَقْرِيبُ وِجْهَاتِ النَّظَرِ.
إِبْرَاهِيمُ: وَأَنْوَاعُ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ كَثِيرَةٌ: فَمِنْهَا الْمَسْمُوعُ كَالْمِذْيَاعِ، وَالْمَقْرُوءُ كَالْجَرَائِدِ وَالْمَجَلَّاتِ، وَالْمَرْئِيُّ كَالتِّلْفَازِ وَالْإِنْتَرْنِت.
مُحَمَّدٌ: أَظُنُّ أَنَّ الِاعْتِمَادَ الْآنَ أَصْبَحَ عَلَى وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الْمَرْئِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا رَخِيصَةُ الثَّمَنِ وَمُتَوَفِّرَةٌ فِي كُلِّ بَيْتٍ تَقْرِيبًا، وَالْأَهَمُّ أَنَّهَا تَجْعَلُكَ تَرَى الْحَدَثَ كَامِلًا، وَتَجْعَلُهُ قَرِيبًا مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِكَ.
إِبْرَاهِيمُ: وَمِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ الْقَائِمِينَ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَتِلْكَ هِيَ الْمُشْكِلَةُ؟
مُحَمَّدٌ: مَا الْمُشْكِلَةُ؟
إِبْرَاهِيمُ: الْمُشْكِلَةُ أَنَّ جُزْءًا مِنَ الْقَائِمَيْنِ عَلَى الْإِعْلَامِ (الْمُرْسِلِ) لَا يَتَّسِمُ بِالشَّفَافِيَّةِ وَالْمِصْدَاقِيَّةِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَنْقُلُ الْحَدَثَ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِهِ، وَلَا يَنْتَظِرُ وُجْهَةَ نَظَرِ الْجُمْهُورِ(الْمُسْتَقْبِلِ).
مُحَمَّدٌ: وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الْإِعْلَامَ يُشَكِّلُ الْجُمْهُورَ الْخَاصَّ بِهِ، وَلَا يَنْتَظِرُ مِنْهُ صَدًى، لِأَنَّهُ رَسَمَ خُطَّةً لِتَشْكِيلِ الْجُمْهُورِ لَا لِإِشْرَاكِهِ فِي الْوَاقِعِ.
إِبْرَاهِيمُ: وَلَكِنْ هَلِ اسْتَطَاعَ الْإِعْلَامُ الْمُكَذِّبُ أَوِ الْمُضَلِّلُ لِلْحَقَائِقِ السَّيْطَرَةَ عَلَى كُلِّ الْجُمْهُورِ.
مُحَمَّدٌ: جُمْهُورُ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ كَبِيرٌ جِدًّا، وَلَهُ تَصْنِيفَاتٌ كَثِيرَةٌ، فَلَا يُمْكِنُ لِوَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الْوُصُولُ لِكُلِّ الْجُمْهُورِ.
إِبْرَاهِيمُ: وَمَا تَصْنِيفَاتُ الْجُمْهُورِ؟
مُحَمَّدٌ: مِنَ التَّصْنِيفَاتِ الَّتِي قَرَأْتُ عَنْهَا:
1. الْجُمْهُورُ الْعِلْمِيُّ: وَهُوَ الَّذِي يُفَكِّرُ بِالْحُلُولِ المِثَالِيَّةِ وَالْمُفِيدَةِ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ الْعِلْمِ فَقَطْ، بِغَضِّ النَّظَرِ هَلْ يَسْهُلُ تَحْقِيقُهَا عَلَى أَرْضِ الْوَاقِعِ أَمْ لَا.
2. الْجُمْهُورُ الْعَمَلِيُّ: وَيُسَمَّى أَيْضًا بِالْجُمْهُورِ الْمَادِّيِّ، وَهُوَ الَّذِي يُفَكِّرُ بِوَاقِعِيَّةٍ أَكْثَرَ، وَيَخْتَارُ الْحُلُولَ الَّتِي يَسْهُلُ تَنْفِيذُهَا عَلَى أَرْضِ الْوَاقِعِ، وَيَأْتِي بِالْفَائِدَةِ الْمَادِّيَّةِ بِغَضِّ النَّظَرِ هَلْ يَتَنَاسَبُ مَعَ الْعِلْمِ أَمْ لَا.
إِبْرَاهِيمُ: وَيُوجَدُ أَيْضًا جُمْهُورٌ لَا أَعْرِفُ لَهُ اسْمًا، وَلَكِنَّهُ لَا يَهْتَمُّ بِوَسَائِلِ الْإِعْلَامِ أَصْلًا، وَبَعِيدٌ كُلَّ الْبُعْدِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْأَخْبَارِ، نَاهِيكَ عَنِ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا أَوْ إِبْدَاءِ الرَّأْيِ حَوْلَ مُشْكِلَةٍ مَا. وَهَذَا الْجُمْهُورُ لَيْسَ بِقَلِيلٍ.
مُحَمَّدٌ: لَكِنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ أَثَرَ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ عَلَى السَّوَادِ الْأَعْظَمِ مِنَ الْجُمْهُورِ، فَمِنْ تَأْثِيرِ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ لَا الْحَصْرِ: قَدْ يُؤَثِّرُ الْإِعْلَامُ عَلَى تَغْيِيرِ الِاتِّجَاهِ وَالسُّلُوكِ، وَقَدْ يُؤَثِّرُ عَلَى تَغْيِيرِ الثَّوَابِتِ الْمَعْرِفِيَّةِ لَدَى الْمُتَلَقِّي إِذَا اعْتَمَدَ عَلَى تَلَقِّي كُلِّ الْمَعْلُومَاتِ عَبْرَ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ.
إِبْرَاهِيمُ: هَذَا صَحِيحٌ، وَلِوَسَائِلِ الْإِعْلَامِ أَدَوَاتٌ عِدَّةٌ .
مُحَمَّدٌ: وَيَبْقَى الْمُشَاهِدُ أَكْبَرَ أَدَاةٍ لِوَسَائِلِ الْإِعْلَامِ.
إِبْرَاهِيمُ: وَلِوَسَائِلِ الْإِعْلَامِ دَوْرٌ قَوِيٌّ فِي تَشْكِيلِ الشَّبَابِ الَّذِي أَصْبَحَ يَسْتَمِدُّ كُلَّ مَعْلُومَاتِهِ مِنْ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ، وَيَسْهُلُ عَلَى وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ تَوْجِيهُهُمْ بِطَرِيقَةٍ سَهْلَةٍ جِدًّا.
مُحَمَّدٌ: وَكَذَا الْحَالُ مَعَ الْأَطْفَالِ؛ فَالْمُسَلْسَلَاتُ والْأَفْلَامُ الَّتِي تُعْرَضُ لِلْأَطْفَالِ لَا تَتَنَاسَبُ مَعَ أَعْمَارِهِمْ، وَتَدْعُوهُمْ لِلْعُنْفِ وَالتَّجَرُّؤِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ، مِمَّا يَتَعَارَضُ مَعَ الْأَخْلَاقِ الْعَامَّةِ لِلْمُجْتَمَعَاتِ.
إِبْرَاهِيمُ: وَلَكِنْ مَا السَّبِيلُ لِلْخُرُوجِ مِنْ هَذِهِ الْأَزْمَةِ؟
مُحَمَّدٌ: حَلُّ الأَزْمَةِ يَبْدَأُ مِنَ الْبَيْتِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَبَوَانِ عَلَى دَرَجَةٍ كَافِيَةٍ مِنَ الثَّقَافَةِ الْعَامَّةِ لِمُجْرَيَاتِ الْأُمُورِ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ أَنْ يَقُومُوا بِالْإِشْرَافِ الدَّائِمِ عَلَى أَطْفَالِهِمْ وَمُنَاقَشَتِهِمْ حَوْلَ مَا يُشَاهِدُونَهُ وَتَوْجِيهِهِمْ.
إِبْرَاهِيمُ: وَأَرَى أَيْضًا اسْتِمْرَارَ الْإِشْرَافِ فِي مَرْحَلَةِ الشَّبَابِ، وَلَكِنْ بِشَكْلِ مُصَادَقَةِ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَبْنَاءِ فِي طَوْرِ الشَّبَابِ، وَيَنْبَغِي فَهْمُ طَبِيعَةِ كُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ مَرَاحِلِ الْأَوْلَادِ لِسُهُولَةِ التَّعَامُلِ مَعَهُمْ.
مُحَمَّدٌ: ثُمَّ يَكُونُ حَلُّ الأَزْمَةِ مِنَ الْبَيْتِ الثَّانِي، وَالْمَقْصِدُ مِنْهُ هُوَ (الْمَدْرَسَةُ) فَلَا بُدَّ أَنْ تَخْلُوَ الْمَدْرَسَةُ مِنَ الْمُيُولِ لِأَيِّ حِزْبٍ أَوْ فِكْرٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى لَا يَتَأَثَّرَ الطَّالِبُ بِفِكْرِ أُسْتَاذِهِ.
إِبْرَاهِيمُ: نَعَمْ، وَبَعْدَ ذَلِكَ سَيَكُونُ مُشَاهِدُ الْإِعْلَامِ عَلَى دَرَجَةٍ كَافِيَةٍ لِلْحُكْمِ عَلَى الْأَشْيَاءِ بِنَفْسِهِ دُونَ تَوْجِيهٍ مِنَ الْمُرْسِلِ (الْقَائِمِ عَلَى الْإِعْلَامِ).
مُحَمَّدٌ: وَبِالتَّدْرِيجِ سَيَعُودُ الْإِعْلَامُ إِلَى مِصْدَاقِيَّتِهِ، وَيَكُونُ وَاجِهَةً وَمِرْآةً لِلْمُشَاهِدِ، يَتْرُكُ لَهُ حُرِّيَّةَ الرَّأْيِ، وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَى طَرِيقٍ مُعَيَّنٍ لِلسَّيْرِ فِيهِ.
إِبْرَاهِيمُ: إِذَنْ نَبْدَأُ بِأَنْفُسِنَا.
-