-
Pdf
-
Html
-
قَصَصُ الأَمْثَالِ العَرَبِيَّةِ
خَالِدٌ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
بَاسِلٌ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
خَالِدٌ: كَيْفَ حَالُكَ يَا صَدِيقِي؟ لِمَاذَا أَرَاكَ حَزِينًا؟
بَاسِلٌ: البِطَالَةُ تَعُمُّ البِلَادَ حَالِي حَالُ كُلِّ الشَّبَابِ؛ يُرِيدُ العَمَلَ وَالمَالَ وَالاسْتِقْرَارَ، لَكِنْ لَا نَجِدُ سَبِيلًا لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ.
خَالِدٌ: الحُكُومَةُ وَعَدَتْ بِأَنَّهَا سَتُوَفِّرُ فُرَصَ عَمَلٍ لِلشَّبَابِ خِلَالَ فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ.
بَاسِلٌ: وَعْدُ الحُكُومَةِ هُوَ وَعْدُ عُرْقُوبٍ.
خَالِدٌ: وَعْدُ عُرْقُوبٍ! مَاذَا تَقْصِدُ؟
بَاسِلٌ: هَذَا مَثَلٌ عَرَبِيٌّ قَدِيمٌ، يُقَالُ عِنْدَ المُمَاطَلَةِ وَعَدَمِ الوَفَاءِ بِالوَعْدِ.
خَالِدٌ: سَمِعْتُهُ، لَكِنْ لَا أَعْرِفُ قِصَّتَهُ.
بَاسِلٌ: يُحْكَى أَنَّ رَجُلًا اسْمُهُ عُرْقُوبٌ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَخُوهُ لِيَطْلُبَ مِنْهُ شَيْئًا، فَقَالَ عُرْقُوبٌ: إِذَا أَطْلَعَتْ هَذِهِ النَّخْلَةُ فَلَكَ حِمْلُهَا.
فَلَمَّا أَخْرَجَتِ النَّخْلَةُ طَلْعَهَا جَاءَ إِلَيْهِ أَخُوهُ لِيَأْخُذَ الطَّلْعَ.
فَقَالَ عُرْقُوبٌ: دَعْهَا حَتَّى تَصِيرَ بَلَحًا.
فَلَمَّا أَبْلَحَتْ جَاءَ إِلَيْهِ أَخُوهُ لِيَأْخُذَ البَلَحَ.
فَقَالَ عُرْقُوبٌ: دَعْهَا حَتَّى تَصِيرَ رُطَبًا.
فَلَمَّا أَرْطَبَتْ جَاءَ إِلَيْهِ أَخُوهُ لِيَأْخُذَ الرُّطَبَ.
فَقَالَ عُرْقُوبٌ: دَعْهَا حَتَّى تَصِيرَ تَمْرًا.
فَلَمَّا أَتْمَرَتْ قَامَ عُرْقُوبٌ بِجَذِّهَا لَيْلًا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ أَخُوهُ، فَلَمَّا جَاءَ أَخُوهُ فِي الصَّبَاحِ لِيَأْخُذَ التَّمْرَ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا؛ فَصَارَ عُرْقُوبٌ مَضْرِبَ المَثَلِ لِكُلِّ مَنْ وَعَدَ وَلَمْ يَفِ بِوَعْدِهِ.
خَالِدٌ: قِصَةٌ جَمِيلَةٌ وَمُعَبِّرَةٌ، مَا أَجْمَلَ الأَمْثَالَ العَرَبِيَّةِ!
بَاسِلٌ: هُنَاكَ كُتُبٌ وَمَوْسُوعَاتٌ كُتِبَتْ فِي الأَمْثَالِ العَرَبِيَّةِ نَظَرًا لِأَهَمِّيَتِهَا.
خَالِدٌ: هَذَا يُعَلِّمُنَا أَنَّ مَا نَمُرُّ بِهِ مِنْ مِحَنٍ قَدْ مَرَّ بِهِ غَيْرُنَا مِنَ السَّابِقِينَ، وَهَذَا يُهَوِّنُ الأَمْرَ.
بَاسِلٌ: صَدَقْتَ؛ أَنَا أُحِبُّ الأَمْثَالَ وَأَسْتَخْدِمُهَا كَثِيرًا فِي حَيَاتِي مَعَ المَوَاقِفِ الَّتِي أَمُرُّ بِهَا، مِثْلُ: وَعْدِ عُرْقُوبٍ، وَجَزَاءِ سِنِمَّارَ، وَرَجَعَ بِخُفَّيْ حُنَيْنٍ، وَغَيْرِهَا الكَثِير.
خَالِدٌ: هَذَا مَوْضُوعٌ شَيِّقٌ، احْكِ لِي قِصَّةَ هَذِهِ الأَمْثَالِ
مَا قِصَّةُ «جَزَاءُ سِنِمَّارِ»؟
بَاسِلٌ: هَذَا المَثَلُ يُضْرَبُ عِنْدَمَا يَفْعَلُ الإِنْسَانُ الإِحْسَانَ وَيُجْزَى بِالإِسَاءَةِ،
وَقِصَّتُهُ أَنَّ رَجُلًا رُومِيًّا يُدْعَى سِنِمَّارَ - وَكَانَ بَنَّاءً عَظِيمًا - بَنَى قَصْرًا جَمِيلًا لِلنُّعْمَانِ (مَلِكِ الحِيرَةِ)، فَطَلَعَ النُّعْمَانُ وَسِنِمَّارُ فَوْقَ القَصْرِ وَقَالَ النُّعْمَانُ: هَلْ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ غَيْرُكَ أَنْ يَبْنِيَ قَصْرًا كَهَذَا؟
فَقَالَ سِنِمَّارُ: لَا.
فَأَلْقَاهُ النُّعْمَانُ مِنْ فَوْقَ القَصْرِ فَخَرَّ مَيِّتًا؛ قَتَلَهُ النُّعْمَانُ حَتَّى لَا يَبْنِيَ قَصْرًا شَبِيهًا لِقَصْرِ النُّعْمَانِ.
فَصَارَ مَضْرِبَ المَثَلِ لِرَدِّ الإِحْسَانِ بِالإِسَاءَةِ، فَيُقَالُ: «جَزَانِي فُلَانٌ جَزَاءَ سِنِمَّارَ».
خَالِدٌ: سُبْحَانَ اللهِ! هَذَا يَحْدُثُ كَثِيرًا فِي زَمَنِنَا، فَالإِنْسِانُ يَتَوَقَّعُ الإِحْسَانَ جَزَاءَ إِحْسَانِهِ، وَتَكُونُ المُفَاجَأةُ أَنْ يَجِدَ الإِسَاءَةَ وَالاسْتِهَانَةَ بِعَمَلِهِ، مَا أَعْظَمَ هَذَا المَثَلَ!
وَمَا قِصَّةُ رَجَعَ بِخُفَّيْ حُنَيْنٍ؟
بَاسِلٌ: نَحْنُ نَسَيْنَا المَوْضُوعَ الأَسَاسِيَّ عَنِ البِطَالَةِ وَوَعْدِ الحُكُومَةِ، وَانْشَغَلْنَا بِأَمْرٍ آخَرَ .
مَا أَشَدَّ إِعْجَابِي بِالتَّنَوُّعِ!
خَالِدٌ: كُلُّ شَيْءٍ سَيَكُونُ أَفْضَلَ إِنْ شَاءَ اللهُ، لَكِنِّي مُعْجَبٌ جِدًّا بِقَصَصِ الأَمْثَالِ وَأُرِيدُ مَعْرِفَتَهَا.
بَاسِلٌ: لَا بَأْسَ يَا صَدِيقِي; قِصَّةُ حُنَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ رَجُلٌ يَعْمَلُ إِسْكَافًا، فَسَاوَمَهُ أَعْرَابِيٌّ بِخُفَّيْنِ، وَظَلَّ يُجَادِلُهُ حَتَّى مَلَّ الْإِسْكَافِيُّ، فَأَرَادَ أَنْ يُغْضِبَ الْأَعْرَابِيَّ كَمَا أَغْضَبَهُ، فَرَفَضَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْخُفَّيْنِ، وَكَانَ الْأَعْرَابِيُّ مُسَافِرًا فِي طَلَبِ الرِّزْقِ لِأَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ، فَأَخَذَ حُنَيْنٌ أَحَدَ الْخُفَّيْنِ وَأَلْقَاهُ فِي الطَّرِيقِ، ثُمَّ أَلْقَى الْخُفَّ الْآخَرَ فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَتَوَارَى حُنَيْنٌ حَتَّى لَا يَرَاهُ الْأَعْرَابِيُّ، فَلَمَّا مَرَّ الْأَعْرَابِيُّ بِالْخُفِّ الْأَوَّلِ أَثْنَاءَ سَفَرِهِ، قَالَ فِي نَفْسِهِ: مَا أَشْبَهَ هَذَا الْخُفَّ بِخُفِّ حُنَيْنٍ! وَلَوْ كَانَ مَعَهُ الْآخَرُ لَأَخَذْتُهُ، وَمَضَى فِي طَرِيقٍ، فَلَمَّا رَأَى الْخُفَّ الْآخَرَ نَدِمَ عَلَى تَرْكِهِ الْخُفَّ الْأَوَّلَ، فَتَرَكَ رَاحِلَتَهُ وَزَادَهُ وَعَادَ لِيَأْخُذَ الْخُفَّ الْأَوَّلَ، وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ خَرَجَ حُنَيْنٌ مِنْ مَخْبَئِهِ وَأَخَذَ رَاحِلَتَهُ وَزَادَهُ وَذَهَبَ بِهَا، فَعَادَ الْأَعْرَابِيُّ إِلَى أَهْلِهِ خَائِبًا خَاسِرًا لَيْسَ مَعَهُ سِوَى الْخُفَّيْنِ، فَصَارَ مَثَلًا لِكُلِّ مَنْ عَادَ خَائِبًا خَاسِرًا.
خَالِدٌ: قِصَّةٌ مُضْحِكَةٌ وَمُؤْسِفَةٌ فِي آنٍ وَاحِدٍ! وَمَاذَا تَعْرِفُ عَنِ الْأَمْثَالِ الْعَالَمِيَّةِ؟
بَاسِلٌ: لَا أَعْرِفُ كَثِيرًا عَنِ الْأَمْثَالِ الْعَالَمِيَّةِ، وَلَكِنِّي قَرَأْتُ فِي الْحِكَمِ.
خَالِدٌ: وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَثَلِ وَالْحِكْمَةِ؟
بَاسِلٌ: الْمَثَلُ: كَلَامٌ يُقَالُ فِي حَادِثَةٍ أَوْ مُنَاسِبَةٍ خَاصَّةٍ، وَيُرَدَّدُ فِيمَا بَعْدُ عِنْدَمَا تُكَرَّرُ الْأَحْدَاثُ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَمَاكِنِ. بِمَعْنًى آخَرَ: الْمَثَلُ جُمْلَةٌ قَصِيرَةٌ تَشْرَحُ تَجْرِبَةً حَقِيقِيَّةً مَرَّ بِهَا أَحَدُ الْأَشْخَاصِ، وَنُكَرِّرُهَا عِنْدَمَا تَتَكَرَّرُ تِلْكَ الْأَحْدَاثُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَمَاكِنِ. أَمَّا الْحِكْمَةُ: هِيَ جُمْلَةٌ نَاتِجَةٌ عَنْ دِرَايَةٍ وَذَاتُ مَضْمُونٍ أَعْمَقَ، وَنَابِعَةٌ مِنْ فَلْسَفَةٍ وَرُؤْيَةٍ.
خَالِدٌ: الْحِكْمَةُ أَسْهَلُ مِنَ الْمَثَلِ.
بَاسِلٌ: نَعَمْ، فَقَدْ يُذْكَرُ فِي الْمَثَلِ أَسْمَاءٌ لَا يَعْرِفُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، كَالْأَمْثَالِ السَّابِقَةِ: «جَزَانِي جَزَاءَ سِنِمَّارَ»، وَ«رَجَعَ بِخُفَّيْ حُنَيْنٍ» ... وَهَكَذَا.
خَالِدٌ: وَمَاذَا تَعْرِفُ مِنَ الْحِكَمِ الْعَالَمِيَّةِ وَأَنَا سَأَشْرَحُ لَكَ مَعْنَاهُ كَمَا فَهِمْتُهُ مِنْكَ.
بَاسِلٌ: «الثَّعْلَبُ الَّذِي يُطَارِدُ أَرْنَبَيْنِ لَنْ يَصْطَادَ أَحَدَهُمَا». وَهَذِهِ حِكْمَةٌ صِينِيَّةٌ.
خَالِدٌ: نَتَعَلَّمُ مِنْهَا تَحْدِيدَ هَدَفٍ وَاحِدٍ وَمُحَاوَلَةَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ دُونَ التَّشْتِيتِ بِأَكْثَرَ مِنْ هَدَفٍ فَلَا نَصِلُ إِلَى شَيْءٍ.
بَاسِلٌ: مُمْتَازٌ! هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْحِكْمَةِ.
خَالِدٌ: اذْكُرْ حِكْمَةً أُخْرَى.
بَاسِلٌ: "الْغَضَبُ رِيحٌ قَوِيَّةٌ تُطْفِئُ مِصْبَاحَ الْعَقْلِ" وَهَذِهِ حِكْمَةٌ أَمْرِيكِيَّةٌ.
خَالِدٌ: فَهِمْتُ أَنَّ وَقْتَ الْغَضَبِ يَغِيبُ الْعَقْلُ فَتَكْثُرُ الْأَخْطَاءُ، وَهَذَا مُوجَزٌ فِي قَوْلِ الرَّسُولِ الْكَرِيمِ: «لَا تَغْضَبْ».
بَاسِلٌ: صَدَقْتَ. وَالْحِكْمَةُ التَّالِيَةُ مِنَ الْيَابَانِ: «قَطَرَاتُ الْمَاءِ الْقَلِيلَةِ قَدْ تَصْنَعُ جَدْوَلًا».
خَالِدٌ: جَمِيلَةٌ جِدًّا، هَذِهِ الْحِكْمَةُ مَلِيئَةٌ بِالْأَمَلِ، فَهِمْتُ مِنْهَا أَنَّ الشَّيْءَ الصَّغِيرَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا فِي حَيَاةٍ، فَقَطْرَةُ الْمَاءِ صَغِيرَةٌ جِدًّا، وَلَكِنْ إِذَا تَجَمَّعَتْ صَنَعَتْ جَدْوَلًا يَكُونُ سَبَبًا فِي حَيَاةِ كَثِيرِينَ.
بَاسِلٌ: وَالْآنَ نَقُولُ حِكْمَةً نَخْتِمُ بِهَا لِقَاءَنَا؛ لِأَنِّي أَوَدُّ زِيَارَةَ ابْنِ عَمِّي؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَ وَأُرِيدُ تَهْنِئَتَهُ بِالزَّوَاجِ.
خَالِدٌ: مُبَارَكٌ، وَأَرْسِلْ سَلَامِي لَهُ. مَا الْحِكْمَةُ الْأَخِيرَةُ؟
بَاسِلٌ: «لَا تُجَادِلِ الْأَحْمَقَ؛ فَقَدْ يُخْطِئُ النَّاسُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَكُمَا».
خَالِدٌ: الْمَعْنَى وَاضِحٌ، هُوَ أَلَّا نُكْثِرَ الْكَلَامَ مَعَ الْحَمْقَى؛ لِأَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْمُتَكَلِّمَ أَحْمَقَ، لِأَنَّهُ يَنْدَمِجُ مَعَ فِكْرِهِمْ.
بَاسِلٌ: تَمَامٌ. سَعِدْتُ كَثِيرًا بِالْحَدِيثِ مَعَكَ، وَهَوَّنْتَ عَلَيَّ كَثِيرًا مِنْ حُزْنِي بِسَبَبِ قِلَّةِ فُرَصِ الْعَمَلِ فِي بَلَدِنَا.
خَالِدٌ: شُكْرًا جَزِيلًا لَكَ عَلَى هَذِهِ الْمَعْلُومَاتِ الْجَمَّةِ وَالْحِكَمِ الرَّائِعَةِ، وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ سَتَجِدُّ الْعَمَلَ وَسَتَعِيشُ مُسْتَقِرًّا.
بَاسِلٌ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
-