-
Pdf
-
Html
-
مَظَاهِرُ الثَّقَافَةِ العَرَبِيَّةِ
تَقَابَلَ بَاسِلٌ وَخَالِدٌ فِي مُنْتَدًى ثَقَافِيٍّ، وَتَبَادَلَا الحَدِيثَ حَوْلَ مَظَاهِرِ الثَّقَافَةِ العَرَبِيَّةِ، وَتَحَدَّثَا عَنِ الظَّوَاهِرِ الدَّخِيلَةِ عَلَى المُجْتَمَعِ، وَاقْتَرَحَا حُلُولًا لِإِحْيَاءِ تِلْكَ الثَّقَافَةِ، وَالَّتِي تَبْدَأُ بِالاهْتِمَامِ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، التِي تُعَدُّ مِنْ أَهَمِّ مَظَاهرِ الثَّقَافَةِ العَرَبِيَّةِ.
بَاسِلٌ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
خَالِدٌ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
بَاسِلٌ: رَأَيْتُ بِالأَمْسِ ظَاهِرَةً لَمْ تَكُنْ فِي مُجْتَمَعِنَا مِنْ قَبْلُ: رَأَيْتُ اثْنَيْنِ اخْتَلَفَا عَلَى شَيْءٍ فَتَنَازَعَا، وَضَرَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الآخَرَ بِعُنْفٍ!
خَالِدٌ: العُنْفُ مِنَ الظَّوَاهِرِ الدَّخِيلَةِ عَلَى مُجْتَمَعِنَا، وَالمُخَالِفَةِ لِثَقَافَتِنَا العَرَبِيَّةِ الأَصِيلَةِ.
بَاسِلٌ: ثَقَافَتُنَا! كَمْ نَفْتَقِدُ إِلَى تِلْكَ الثَّقَافَةِ؟! الَّتِي تَعْنِي المُحَافَظَةَ عَلَى مَشَاعِرِ الآخَرِينَ، وَاحْتِرَامَ الكَبِيرِ، وَتَقْدِيرَ المَرْأَةِ وَإِجْلَالَهَا، وَغَيْرَهَا مِنَ المَظَاهِرِ الَّتِي تَحْتَرِمُ الإِنْسَانِيَّةَ عَامَّةً.
خَالِدٌ: نَعَمْ، السَّائِدُ الآنَ فِي مُجْتَمَعِنَا العُنْفُ، وَمُعَامَلَةُ المَرْأَةِ كَالرَّجُلِ، وَالكَبِيرِ كَالصَّغِيرِ.
بَاسِلٌ: هَذَا مِنْ سَلْبِيَّاتِ الِانْفِتَاحِ عَلَى العَالَمِ، فَنَأْخُذُ مِنْهُمُ النَّافِعَ وَالضَّارَّ.
خَالِدٌ: رُبَّمَا يَكُونُ هَذَا مَقْصُودًا يَا صَدِيقِي، وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِالغَزْوِ الثَّقَافِيِّ.
بَاسلٌ: الغَزْوُ الثَّقَافِيُّ أَخْطَرُ بِكَثِيرٍ مِنَ الغَزْوِ العَسْكَرِيِّ؛ فَالهَدَفُ مِنَ الغَزْوِ الثَّقَافِيِّ هُوَ احْتِلَالُ العُقُولِ، أَمَّا الغَزْوُ العَسْكَرِيُّ فَالهَدَفُ مِنْهُ احْتِلَالُ الأَرْضِ، فَيَسْتَمِدُّ قُوَّتَهُ مِنْ خِلَالِ الأَسْلِحَةِ وَمَا شَابَهَ، لَكِنَّ الغَزْوَ الثَّقَافِيَّ يَسْتَمِدُّ قُوَّتَهُ مِنْ خِلَالِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِبْهَارِ العُقُولِ.
خَالِدٌ: المُشْكِلَةُ الحَقِيقِيَّةُ تَكْمُنُ فِي تَغْيِيرِ المُسَمَّيَاتِ وَاخْتِلَاطِ المُصْطَلَحَاتِ، فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يُعَرِّفُ الغَزْوَ الثَّقَافِيَّ بِكَوْنِه غَزْوًا، وَلَكِنَّهُ يُسَمِّيهِ تَبَادُلَ ثَقَافَاتٍ، حَيْثُ قَالَ ابْنُ خَلْدُونَ: «إِنَّمَا تَبْدَأُ الأُمَمُ بِالهَزِيمَةِ مِنْ دَاخِلِهَا عِنْدَمَا تَشْرَعُ فِي تَقْلِيدِ عَدُوِّهَا».
بَاسِلٌ: نَعَمْ، فَالغَزْوُ الثَّقَافِيُّ - وَهُوَ مَا يُسَمَّى آلِيَّةَ صِنَاعَةِ العَقْلِ - مُقَدِّمَةٌ لِلْغَزْوِ العَسْكَرِيِّ، فَبَعْدَ الغَزْوِ الثَّقَافِيِّ يَكُونُ المُحْتَلُّ قَدْ هَيَّأَ العُقُولَ لِتَقَبُّلِهِ.
خَالِدٌ: هُوِيَّتُنَا تُسْلَبُ مِنَّا وَنَحْنُ مُنْشَغِلُونَ بِأُمُورٍ أُخْرَى! كَمْ يُحْزِنُنِي هَذَا؟!
بَاسِلٌ: لَا بُدَّ أَنْ نُحْيِيَ هُوِيَّتَنَا الثَّقَافِيَّةَ، وَنَزْرَعَ الرُّوحَ الَّتِي تَجْمَعُنَا بِأَصَالَتِنَا وَدِينِنَا.
خَالِدٌ: وَكَيْفَ يُمْكِنُنَا فِعْلَ ذَلِكَ عَلَى أَرْضِ الوَاقِعِ؟
بَاسِلٌ: لِنَبْدَأَ بِأَنْفُسِنَا، لَا بُدَّ أَنْ نَتَأَكَّدَ أَنَّ اللُّغَةَ أَسَاسُ الثَّقَافَةِ، فَالحِفَاظُ عَلَى اللُّغَةِ هُوَ نَفْسُهُ الحِفَاظُ عَلَى الثَّقَافَةِ.
خَالِدٌ: وَكَيْفَ نُحَافِظُ عَلَى لُغَتِنَا الحَبِيبَةِ؟
بَاسِلٌ: الحَدِيثُ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ المُبَسَّطَةِ فِيمَا بَيْنَنَا، وَفِي الأُسْرَةِ، وَفِي الشَّارِعِ، وَبِهَذَا نُسَاهِمُ فِي تَحْسِينِ الذَّوْقِ اللُّغَوِيِّ.
خَالِدٌ: مَاذَا تَقْصِدُ بِتَحْسِينِ الذَّوْقِ اللُّغَوِيِّ؟
بَاسِلٌ: الآنَ كُلُّ بَلَدٍ تَتَكَلَّمُ بِلَهْجَةٍ: فَهُنَاكَ اللَّهْجَةُ المِصْرِيَّةُ، وَاللَّهْجَةُ المَغْرِبِيَّةُ، وَالسُّورِيَّةُ ... إِلَخْ، وَأَحْيَانًا لَا يَفْهَمُ المِصْرِيُّ لَهْجَةَ الجَزَائِرِيِّ أَوْ أَيَّ لَهْجَةٍ أُخْرَى؛ لِذَلِكَ نَخْتَلِفُ كَثِيرًا، فَلَوِ اشْتَرَكْنَا جَمِيعًا فِي لُغَةٍ وَاحِدَةٍ تَحَسَّنَ الذَّوْقُ اللُّغَوِيُّ، وَذَابَتِ الفَوَارِقُ بَيْنَ البِلَادِ وَالأَشْخَاصِ.
خَالِدٌ: صَدَقْتَ، وَيُمْكِنُنَا أَيْضًا عَرْضَ أَفْلَامٍ ذَاتِ الرُّسُومِ المُتَحَرِّكَةِ، وَيَكُونُ الحَدِيثُ فِيهَا بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، فَيَسْمَعُهُ الأَطْفَالُ وَيُرَدِّدُونَهُ، وَبِذَلِكَ يَسْتَطِيعُ الأَطْفَالُ التَّحَدُّثَ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ دُونَ عَنَاءٍ، لِأَنَّهُمْ مُرْتَبِطُونَ جِدًّا بِتِلْكَ الأَفْلَامِ.
بَاسِلٌ: وَيُمْكِنُنَا أَيْضًا كِتَابَةَ مَسْرَحِيَّاتٍ ذَاتِ تَعْبِيرَاتٍ سَلِيمَةٍ لُغَوِيًّا، وَنَسْتَهْدِفُ بِهَا الشَّبَابَ.
خَالِدٌ: وَكَيْفَ نَسْتَهْدِفُ بِهَا الشَّبَابَ؟
بَاسِلٌ: بِأَنْ تُنَاقِشَ مَوْضُوعَاتُ المَسْرَحِيَّةِ أُمُورًا يُحِبُّهَا الشَّبَابُ، وَتُعْرَضُ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ مِثْلِ: الجَامِعَةِ، وَالمُنْتَدَيَاتِ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا الشَّبَابُ، وَغَيْرِهَا مِنَ الأَمَاكِنِ الَّتِي يَتَوَاجَدُ فِيهَا الشَّبَابُ.
خَالِدٌ: وَالحِفَاظُ عَلَى اللُّغَةِ يَعْنِي الحِفَاظَ عَلَى الدِّينِ، وَعِنْدَمَا يَتَكَلَّمُ النَّاسُ بِلُغَتِهِمْ وَيَفْهَمُونَهَا سَيَفْهَمُونَ دِينَهُمْ.
بَاسِلٌ: وَبَعْدَ ذَلِكَ يَأْتِي الِاعْتِزَازُ بِدِينِنَا وَتُرَاثِنَا.
خَالِدٌ: كَانَ أَجْدَادُنَا يُجِلُّونَ النِّسَاءَ إِجْلَالًا يَخْتَلِفُ عَنْ مُعَامَلَتِهَا فِي الوَقْتِ الرَّاهِنِ.
بَاسِلٌ: الحَقُّ أَنَّ احْتِرَامَ المَرْأَةِ وَإِجْلَالَهَا مَنْبَعُهُ كَانَ الإِسْلَامُ، فَفِي العَرَبِ قَبْلَ الإِسْلَامِ كَانَتِ المَرْأَةُ مَقْهُورَةً وَوَضِيعَةً، وَلَيْسَ لَهَا تَرِكَةٌ فِي مِيرَاثِ زَوْجِهَا أَوْ أَبِيهَا، وَهِيَ تُورَثُ كَأَيِّ مُمْتَلَكَاتٍ فِي البَيْتِ كَالأَثَاثِ، وَلَكِنَّ الإِسْلَامَ كَرَّمَ المَرْأَةَ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: (وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ) [البَقَرَة: 228]، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٞ مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ) [النِّسَاء: 7]، وَقَالَ أَيْضًا: (لَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرۡهٗاۖ) [النساء: 19].
خَالِدٌ: وَأَوْصَى الرَّسُولُ الكَرِيمُ بِهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ حَدِيثٍ، حَيْثُ قَالَ : «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَـاءِ خَيْرًا»، وَقَالَ : «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ».
بَاسِلٌ: وَالإِسْلَامُ أَضْفَى عَلَى الثَّقَافَةِ العَرَبِيَّةِ بَرِيقَهُ وَعِزَّتَهُ، فَكَانَتِ الثَّقَافَةُ العَرَبِيَّةُ الإِسْلَامِيَّةُ الَّتِي شَهِدَ بِهَا العَالَمُ فِي المُعَامَلَاتِ وَوَقْتَ الحَرْبِ وَوَقْتَ السِّلْمِ..
خَالِدٌ: يَجِبُ أَنْ نَنْشُرَ ثَقَافَةَ الحَرْبِ عِنْدَ المُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ الآنَ لَا يَنْتَمِي إِلَى الإِسْلَامِ نِهَائِيًّا.
بَاسِلٌ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ قَتْلِ الأَبْرِيَاءِ فِي الحَرْبِ، مِثْلِ الشُّيُوخِ، وَالنِّسَاءِ، وَالأَطْفَالِ، فَقَال : "لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا صَغِيرًا، وَلَا امْرَأَةً".
خَالِدٌ: كَمَا نَهَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ عَنِ اسْتِخْدَامِ الأَسَالِيبِ القَذِرَةِ فِي الحَرْبِ: كَالتَّمْثِيلِ بِجُثَثِ القَتْلَى، وَالغَدْرِ، وَالغَلِّ.
وَحَذَّرَ مِنْ إِتْلَافِ المُمْتَلَكَاتِ وَهَدْمِ البُيُوتِ وَمَا شَابَهَ مِنَ الأَعْمَالِ التَّخْرِيبِيَّةِ.
بَاسِلٌ: وَالإِسْلَامُ أَضْفَى عَلَى الثَّقَافَةِ العَرَبِيَّةِ بَرِيقَهُ وَعِزَّتَهُ، فَكَانَتِ الثَّقَافَةُ العَرَبِيَّةُ الإِسْلَامِيَّةُ الَّتِي شَهِدَ بِهَا العَالَمُ فِي المُعَامَلَاتِ وَوَقْتَ الحَرْبِ وَوَقْتَ السِّلْمِ..
خَالِدٌ: يَجِبُ أَنْ نَنْشُرَ ثَقَافَةَ الحَرْبِ عِنْدَ المُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ الآنَ لَا يَنْتَمِي إِلَى الإِسْلَامِ نِهَائِيًّا.
بَاسِلٌ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ قَتْلِ الأَبْرِيَاءِ فِي الحَرْبِ، مِثْلِ الشُّيُوخِ، وَالنِّسَاءِ، وَالأَطْفَالِ، فَقَال : "لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا صَغِيرًا، وَلَا امْرَأَةً".
خَالِدٌ: كَمَا نَهَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ عَنِ اسْتِخْدَامِ الأَسَالِيبِ القَذِرَةِ فِي الحَرْبِ: كَالتَّمْثِيلِ بِجُثَثِ القَتْلَى، وَالغَدْرِ، وَالغَلِّ.
وَحَذَّرَ مِنْ إِتْلَافِ المُمْتَلَكَاتِ وَهَدْمِ البُيُوتِ وَمَا شَابَهَ مِنَ الأَعْمَالِ التَّخْرِيبِيَّةِ.
بَاسِلٌ: وَكَانَ هَذَا الكَرَمُ يَمْتَدُّ إِلَى مَا بَعْدَ النَّصْرِ، فَقَدْ ضَرَبَ الرَّسُولُ الكَرِيمُ أَرْوَعَ مِثَالٍ لِلْعَفْوِ وَالصَّفْحِ بَعْدَ النَّصْرِ فِي فَتْحِ مَكَّةَ، حَيْثُ أَمَّنَ النَّاسَ فِي بُيُوتِهِمْ، وَجَعَلَ السَّلَامَ يَسُودُ مَكَّةَ كُلَّهَا، وَلَمْ يَتَّبِعْ مَنْهَجَ التَّشَفِّي وَالِانْتِقَامِ كَمَا فَعَلَ أَهْلُ مَكَّةَ أَنْفُسُهُمْ مَعَهُ.
خَالِدٌ: عَلَيْنَا أَلَّا نَتَهَاوَنَ فِي نَشْرِ تِلْكَ المَوَاقِفِ العَظِيمَةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا النُّهُوضُ بِثَقَافَتِنَا مَرَّةً ثَانِيَةً.
-