• Pdf
  • Html

    • مِنْ مَظَاهِرِ الْحَضَارَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ

      . بَيْتُ الْمَالِ "وَزَارَةُ الْمَالِيَّةِ":

      أَوَّلُ وَزَارَةٍ مَالِيَّةٍ فِي الْعَالَمِ هِيَ نِتَاجُ فِكْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتْ تُسَمَّى «بَيْتَ الْمَالِ»، حَيْثُ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَوَّلَ مَنْ أَنْشَأَهُ؛ بِسَبَبِ الْفُتُوحَاتِ الْعَظِيمَةِ فِي عَهْدِهِ وَكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ فِيهِ، فَهُنَاكَ بَيْتُ الْمَالِ الْعَامِّ في العَاصِمَةِ، وَهُنَاك بَيْتُ مَالٍ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ، وَمَا يَزِيدُ عَنْ حَاجَةِ الْوِلَايَةِ يُرَدُّ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ الْعَامِّ.

      2. الْعِلْمُ وَالْمَعْرِفَةُ:

      أَوَّلُ كَلِمَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ هِيَ (اقْرَأْ) فَكَانَ تَعَلُّمُ الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ إِلْزَامِيًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، وَلِذَلِكَ حَرَصَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الِاطِّلَاعِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَكَانَتْ صِنَاعَةُ الْكُتُبِ أَهَمَّ مَا يُمَيِّزُ الْمُسْلِمِينَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَاهْتَمُّوا بِصِنَاعَةِ الْوَرَقِ اهْتِمَامًا شَدِيدًا؛ فَانْتَشَرَتِ الْمَكْتَبَاتُ فِي كُلِّ الْأَرَاضِي الْإِسْلَامِيَّةِ ، حَتَّى أَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي يَصْدُرُ فِي بَغْدَادَ تَنْقُلُهُ الْقَوَافِلُ التِّجَارِيَّةُ إِلَى الْأَنْدَلُسِ خِلَالَ شَهْرٍ. وَهَذَا الِانْتِشَارُ لِلْمَكْتَبَاتِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى إِقْبَالِ النَّاسِ الشَّدِيدِ عَلَى الْقِرَاءَةِ، حَقَّقَ الْوَحْدَةَ الثَّقَافِيَّةَ وَانْتِشَارَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ عَالَمِيًّا.

      3. التَّرْجَمَةُ:

      بِدَايَةُ عَصْرِ التَّرْجَمَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَانَتْ فِي الْعَصْرِ الْعَبَّاسِيِّ، وَيُسَمَّى بِـ «الْعَصْرِ الذَّهَبِيِّ لِلتَّرْجَمَةِ»، حيث كَانَ خُلَفَاءُ هَذَا الْعَصْرِ يُشَجِّعُونَ حَرَكَةَ التَّرْجَمَةِ وَالْمُتَرْجِمِينَ، وَيُعَيِّنُونَ لَهُمْ رَوَاتِبَ مُجْزِيَةً، حَتَّى قِيل: إِنَّ الْمُتَرْجِمَ إِذَا تَرْجَمَ الْكِتَابَ يَأْخُذُ مُقَابِلَ وَزْنِهِ ذَهَبًا.

      وَهَذِهِ الْحَرَكَةُ الْوَاسِعَةُ لِلتَّرْجَمَةِ سَاعَدَتِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَعْرِفَةِ أَفْكَارِ وَعُلُومِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ، وَإِكْمَالًا لِحَرَكَةِ التَّرْجَمَةِ أَنْشَأَ الْخَلِيفَةُ الْعَبَّاسِيُّ «المَأْمُونُ» بَيْتَ الْحِكْمَةِ، وَهُوَ يُشْبِهُ أَكَادِيمِيَّةَ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ فِي عَصْرِنَا الْحَالِيِّ.

      وَفِي عَهْدِ الْخَلِيفَةِ الْمَأْمُونِ اسْتَطَاعَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُحَدِّدُوا حَجْمَ الْأَرْضِ وَيَقِيسُوا مُحِيطَهَا، وَعَلِمُوا أَنَّ الْأَرْضَ كُرَوِيَّةٌ قَبْل كُوبَرنِيك بِخَمْسَةِ قُرُونٍ.